يعد اضطراب الشخصية الحدية من الأمراض النفسية والعقلية، والذي يُحدث تقلبات مزاجية وسلوكيات اندفاعية ومشاكل كبيرة في الشخصية ومعظمها يتعلق بثقة مريض الشخصية الحدية في نفسه، وفي حالة كان هذا المصاب زوجك أو قريب منك ستعاني بشكل كبير من عدم القدرة على التعامل الصحيح معه، ولذا نقدم لك في هذا المقال عزيزي وعزيزتي أهم ما ترغب في معرفته عن اضطراب الشخصية الحدي، وما أفضل الخطوات التي يمكن أن يعتمد عليها مريض هذا الاضطراب لتساعده في التغلب على إصابته.
المحتويات
ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
يعد اضطراب الشخصية الحدي من الاضطرابات العقلية التي تؤثر في انفعالات الشخص ومزاجه ويدمر علاقات مصاب الشخصية الحدية مع الآخرين في جميع مجالات الحياة، ويطلق عليه الكثير من المسميات، منها النمط الحدي، والشخصية غير المستقرة عاطفياً، والشدة العاطفية، تبدأ أعراض الشخصية الحدية في مرحلة الطفولة، وغالبًا ما تتأخر هذه الأعراض حتى البلوغ، وتتضح في نهاية هذه المرحلة في سلوكيات وطرق التفكير الغريبة، تشخيص الشخصية الحدية يتم في سن الرشد عادةً.
عُرف هذا الاضطراب في دليل الاضطرابات العقلية التشخيصي والإحصائي الخامس DSM-5 أنه من أشكال تدهور العلاقات الشخصية وعدم تقدير الذات، يعاني مرضي الشخصية الحدية من مشكلات في فهم مشاعرهم وتنظيمها والتحكم بها، يسبب ضيق ملحوظ وضعف في جميع النواحي الاجتماعية، تعد أعراضه واضحة جدًا ويسهل التعرف على المريض من خلالها، من المرجح أن التعامل مع مريض الشخصية غير المستقرة عاطفيَا من خلال شريكه أو شريكته صعبًا جدًا، في حال كانت تملك شخص قريب منك أو حبيبك مريض اضطراب الشخصية الحدية، فجمعنا عدة طرق يمكن تعلمها كي تتعامل مع هذا الأمر بسهولة، من الأفضل الرجوع إلى طبيب محترف ومتخصص، ليُشخص اضطراب الشدة العاطفية ولا تفعل ذلك بمفردك أو من خلال أشخاص غير متخصصين.
كيف تتعامل مع الإصابة باضطراب الشخصية الحدية؟
وضعنا لك عزيزي مصاب الشدة العاطفية عدة خطوات تساعدك في التعامل مع هذا الاضطراب والسيطرة على انفعالاتك والمزاجية المفرطة وهي:
-
اطلب المساعدة من معالج مختص.
يعد العلاج الخيار الأول لمرضي اضطراب الشخصية الحدية، تتعدد أشكال علاج النمط غير المستقر عاطفيَا، ولكن العلاج السلوكي الجدلي يعد أهم هذه الأشكال، يعتمد في الأساس على أساليب العلاج السلوكي المعرفي، يعد العلاج السلوكي الجدلي أسلوب علاج صمم خصيصًا لتسهيل التعامل مع مصابي الشخصية الحدية، أكدت الدراسات على النجاح المستمر لهذا الشكل العلاجي، يركز العلاج الجدلي السلوكي على تعليم مرضي النمط الحدي كيفية تنظيم مشاعرهم وتعلم مهارات عقلية وذهنية جديدة، وتقوية مهارات التفاعل الاجتماعي لمساعدة المرضي على التفاعل مع الناس بشكل طبيعي.
من ضمن الأساليب الشائعة في علاج الشخصية الحدية، العلاج الشامل المركز والذي يدمج تقنيات وأساليب العلاج المعرفي السلوكي بأساليب علاج أخرى فيعطي نتائج مبهرة في العلاج، يركز على إعادة تنظيم وهيكلة تصورات مرضي اضطراب الشخصية الحدية وتجاربهم للمساعدة في بناء صورة مستقرة عن الذات، ينفذ هذا النوع من العلاجات مع الشخص نفسه بمفرده أو مع مجموعات.
-
الحديث الإيجابي.
يعد الحديث الإيجابي مع النفس من الأساليب التي تعلم المصاب كيفية التعامل الصحي مع ردود أفعاله، تأخذ هذه الطريقة وقتًا كي تتعلمها وتفعلها بأسلوب طبيعي وتعد مفيدة جدًا لمصاب الشخصية الحدية، أكدت الأبحاث والدراسات أن الحديث الإيجابي يساعد المصاب على زيادة تركيزه وتحسين قدرته على التركيز وتهدئ من القلق والخوف، ويحدث ذلك من خلال عدة طرق وهي تذكير نفسه دائمًا بأنه يستحق الحب والاحترام من المحيطين، وتعزيز القدرة على إيجاد الأمور التي تستحق الإعجاب في شخصيته، من الأفضل أن يذكر نفسه بتلك الأمور الإيجابية حينما يبدأ بالانفعال والشعور السلبي تجاه ذاته.
من الضروري أن يذكر صاحب الشخصية الحدية نفسه أن المواقف السلبية وغير السارة تحدث لكل الناس وأنها مؤقتة وسيزول آثرها، مثلًا إذا انتقد المدرب أداء المصاب في التمرين من يلزم أن يذكر نفسه بأن هذا لا يعبر عن أدائه في المستقبل أو في الماضي، وبدلًا من التفكير فيما حدث سابقًا يجب أن يركز على ما يستطيع فعله كي يحسن أدائه في التمرين القادم، يوفر هذا الأسلوب على تعلم التحكم في أفعاله وعدم العيش في دور الضحية.
إعادة التفكير في الأفكار السلبية ووضعها في إطار إيجابي، مثلًا إن لم تجيب في الامتحان بشكل جيد، فأول ما ستفكر به كم أنت فاشل وبلا نفع وسوف تلوم نفسك يا عزيزي وتفكر أنك سترسب في هذا الامتحان، لا تعد تلك الأفكار جيدة وليست عادلة كذلك، وما يجب أن يفكر به مصاب الشخصية الحدية في هذه الحالة ما يمكن تعلمه من تلك المشكلة، ويتحدث مع المدرس ليتعرف على أخطائه في هذا الامتحان، ويعيد المذاكرة بشكل أفضل ليكون جاهز لتأدية الامتحان القادم.
-
الانتباه إلى المشاعر.
تعد عدم القدرة على التعرف أو تصنيف أو تحديد المشاعر مشكلة شائعة تواجه مصابي اضطراب الشخصية الحدية، ولذا من الأفضل أخذ وقت كافي للسيطرة على العواطف المندفعة والتفكير بروية ليساعد المصاب على تنظيم وفهم مشاعره.
- حاول أن توفر لنفسك وقتًا محدد خاص بك، على سبيل المثال يا عزيزي خُذ استراحة من العمل لفترة من الوقت وأغلق فيها عينيك ثم ابدأ من جديد، أو فكر حين تشعر بتوتر أو بالخوف والقلق في فكرة أو شعور معين يشعرك بالطمأنينة والراحة لفترة معينة، لاحظ ما هذا الشعور أو الفكرة بالتحديد لتساعدك في السيطرة على مشاعرك وتعلم التعرف عليها، وهذا ما سوف يجعلك قادر على تنظيمها.
- جرب أن تكون دقيقًا قدر الإمكان، فمثلًا بدلًا من التفكير في غضبك الشديد جدًا، فكر في المصدر الرئيسي في هذا الشعور، فمثلًا لا تفكر أنك غاضب جدًا الآن وفكر أنك تشعر بالغضب لأنك تأخرت عن موعدك بسبب الزحام المروري، ولا تحكم على المشاعر التي تراودك، تجنب قول أشياء من هذا القبيل لنفسك مثل أنا شخص سيء لأني أشعر بالغضب من صديقي، وركز على فهم هذا الشعور دون حكم عليه.
-
التفريق بين المشاعر.
تعلم كيفية الكشف عن المشاعر المختلفة التي تشعر بها في المواقف المتنوعة، هذه الخطوة هامة في تعلم تنظيم المشاعر، من الشائع لدي مصابي اضطراب الشخصية الحدية غرقهم في دوامة المشاعر والأحاسيس المختلفة، ولذا خذ برهة وافصل بين الشعور الأساسي الذي شعرت به أولًا، وبين باقي المشاعر الثانوية التي تراكمت مع الشعور الأول.
فمثلًا إن نسي صديق لك موعدكم لتناول الغداء، فإن رد الفعل تجاه هذا الشيء هو الغضب، ويكون هذا الشعور بالغضب هو الرئيسي، وإذا كان مصحوبًا بأحاسيس ومشاعر أخرى تكون هذه هي المشاعر الثانوية، على سبيل المثال، تشعر بالغضب من أنك صديقك نسي موعدكم، إلى جانب الشعور بالخوف من هجر صديقك لك، مع شعور بالخزي وأنك لا تستحق أن يكون لك أصدقاء جميع هذه المشاعر ثانوية، وفهم مصدر الشعور الأساسي يساعد على تنظيمها.
-
وصف المشاعر بالتفصيل.
من الأفضل أن يربط مصاب الشخصية الحدية بين أعراضه الجسمانية وحالته الشعورية التي يمر بها، هذا لأهمية معرفة على ما يشعر به الشخص جسمانيًا إلى جانب فهم المشاعر الوجدانية، فهذا يساعد على فهم ووصف مشاعر الشخصية الحدية بشكل أفضل، على سبيل المثال، تشعر أحيانًا بحزن مفاجئ، ولا تستطيع معرفة السبب في هذا الشعور، فمن الأفضل لك عندما يراودك هذا الشعور مرة أخرى فكر في ماهية شعورك بالحزن المفاجيء، فقد يكون القلق وراء هذا الشعور، وفور علم مصاب الشخصية الحدي أن شعور الخوف المفاجئ ناتج عن القلق، سوف يشعر بالقدرة على التحكم بهذا الشعور وليس بتحكم الشعور بالمصاب.
-
تمهل قليلًا ولا تصدر ردود أفعال متسرعة نحو الآخرين.
يتوقع من مصاب الشخصية الحدية إطلاق ردود فعل مليئة بالغضب واليأس، مثلًا في حال قام شخص بفعل شيء سيء لك، فبالتأكيد رد فعلك الطبيعي سيكون الصراخ وتهديده، ولكن تمهل يا صديقي وخذ وقتًا كي تبدأ من جديد مع نفسك، وتعرف على مشاعرك بشكل محدد، ثم أوصل المشاعر التي تشعر بها إلى الشخص الذي يضايقك دون نبرة التهديد.
مثلًا إن تأخر صديق على موعدكم، فقد يكون رد فعلك على هذا الأمر هو الغضب، وربما تصرخ فيه وتسأله عن سبب عدم الحضور في الموعد المحددة، لكن لا تفعل ذلك وحدد مشاعرك الأساسية ومشاعرك الثانوية، وبدلًا من إصدار الحكم على صديقك بأنه لم يعد يهتم بأمرك، إطرح عليه السؤال بنبرة هادئة، مع استخدام جمل تبدأ بكلمة أنا.
كأن تقول “أنا أشعر بالغضب لأنك تأخرك عن موعدنا، لما تأخرت؟ فكلمة أنا تجعل مصاب الشخصية الحدية لا يظهر وكأنه يلوم صديقه وهذا ما سيجعل الطرف الآخر يتعامل بشكل غير إندفاعي، ويخبرك بعذره الحقيقي لتأخره على موعدكم، كالزحام المروري أو أي سبب آخر، من الأفضل أن يتذكر مريض الشخصية الحدية دائمًا ضرورة مراجعة مشاعره قبل إصدار أحكام وقرارات، وهذا سيساعد على تنظيم انفعالاته وردود أفعاله تجاه الآخرين.
-
تعلم تطوير بعض التصرفات.
يساعد تعلم تحسين وتطوير التصرفات وردود الأفعال على بقاء مصاب الشخصية الحدية هادئًا عند حدوث الاضطراب، وهذه بعض التصرفات التي تعمل على إشعار المصاب بالارتياح:
- أخذ حمامًا دافئًا، أظهرت بعض الأبحاث أن الجسد الدافيء يهدىء أغلب الناس وخاصة مصابي الشخصية الحدية.
- الاستماع لموسيقى هادئة، أكدت الأبحاث أن الاستماع لبعض أنواع الموسيقى يساعد على الارتخاء، قامت أكاديمية بريطانية متخصصة في العلاج بالموسيقى بتصنيف الأغاني وعمل قائمة بالأغاني والتي وجد أنها تحفز الشعور بالراحة والهدوء.
- تجربة تحسس الجسد بشكل مريح، تساعد عملية تحسس الجسد بهدوء ورقة بشكل شبيه لـ “المساج” على الارتخاء والارتياح وتبعد الشعور بالضغط والقلق بإطلاق الأوكسيتوسين المسئول عن هذا الشعور، ضع يدك على قلبك وجرب أن تستشعر دفء جسدك ونبضات قلبك، وتذكر أنك جميل وتستحق الحب والتقدير.
-
تغلب على التجارب غير السارة.
يساعد المعالج المختص مصاب الشخصية الحدية في التغلب على المشاعر غير السارة بإعطائه تمارين محددة واجبة التطبيق، تفعلها بنفسك ومن هذه التمارين:
- الامساك بمكعب ثلج مع التركيز على إحساس يدك نتيحة الإمساك بمكعبات الثلج، يساعد المصاب على التحرر من التجارب السلبية والمشاعر غير السارة، لاحظ أن الإحساس يكون شديدًا في البداية، وبالتدريج يخفت ويقل وهذا الأمر يشبه المشاعر الوجدانية.
- تخيل موج البحر، تخيل موجات البحر أثناء ارتفاعها وتكسرها بعد ذلك وتتلاشيها، ذكر نفسك بأن مشاعر الغضب والخوف مثل تلك أمواج البحر، تشتعل ثم تتخثر بالتدريج.
-
تخلص من القلق بسعة الصدر
من الأفضل أن يتعلم مصاب الشخصية الحدية كيف يتحمل مشاعره غير المريحة وعدم إصدار ردود أفعال غير لائقة، يساعد الاعتياد على هذه التقنيات في تحمل المشاعر السلبية والتعامل بسعة صدر، وسوف يستطيع مصاب الشخصية الحدية الحفاظ على بيئة نفسية مريحة لنفسه في حال تعرض لمواقف مقلقة أو غريبة، وهي:
- احمل دفتر ملاحظات لتدون به مشاعرك المختلفة من قلق أو خوف أو تردد طوال اليوم، مع تدوين كل شعور مع الموقف الذي تسبب في هذا الشعور، وكتابة كيفية الاستجابة في هذا الموقف.
- تصنيف مشاعر القلق، من الأفضل أن يضع مصاب الشخصية الحدية الأشياء التي تثير عصبيته وقلقه في شكل تصنيف من 0 إلى 10، مثلًا يأخذ الذهاب إلى العمل وحيدًا درجة 4 في هذا التصنيف، بينما شعورك بعدم التخطيط للخروج مع أصدقاء يأخذ درجة 10.
- حاول تقوية سعة الصدر عند الشعور بالحيرة، أظهر لنفسك أنك شخص قوي لتتعامل مع القلق، مثلًا يمكن لمصاب الشخصية الحدية أن يطلب طعام جديد لم يطلبه من قبل ومن مطعم جديد، ربما يستمع بالوجبة وربما لا لكن هذا ليس مهم، أكد لنفسك أنك تستطيع شق الطريق نحو خلق جو آمن لنفسك بالتعامل مع المواقف الصعبة.
- سجل الاستجابات، ضروري أن يسجل مصاب الشخصية الحدية استجاباته حين يمر بشيء مقلق، ماذا فعل في هذا الموقف؟، كيف كانت مشاعره في ظل هذا الموقف؟، كيف تغيرت مشاعره بعد ذلك؟، هل يعتقد أن لديه قدرة كبيرة على التعامل مع هذه التجربة في المستقبل؟، ماذا كان سيفعل إن لم يحدث ما توقعه في هذا الموقف؟.
-
اختيار أهداف واقعية
- يستغرق التعامل مع اضطرابات الشخصية كثير من الوقت، فلا تتوقع حدوث تغير جذري في أيام قليلة، ولا تفقد عزمك وأملك، تذكر أنك لن تفعل سوى ما تستطيع فعله وأنه كافيًا جدًا، تأكد أن أعراض الشخصية الحدية ستتحسن بشكل تدريجي.
- الاهتمام بوضع جدول زمني، فتعد تقلبات المزاج وعدم التوازن من أهم سمات الشخصية الحدية، ووضع جدول زمني لجميع أمور الحياة من مواعيد الطعام أو النوم يعد عاملًا مساعدًا للسيطرة على الاضطراب، حيث أن تقلبات سكر الدم وعدم النوم بانتظام عاملان يساعدان على تدهور أعراض الشخصية الحدية، وفي حالة عدم قدرتك على العناية بنفسك، وتنسي تناول الوجبات الصحية، أو تنسي مواعيد النوم كذلك، اطلب مساعدة شخص قريب منك ليذكرك بالمواعيد.
- ممارسة التمارين الرياضية، تساعد التمارين الرياضية على تقليل الضغط العصبي، والتقلبات المزاجية، والقلق، والاكتئاب، حيث تطلق هرمون الانورفين والمسؤل عن الشعور بالراحة، يوصي المتخصصين بأهمية ممارسة الرياضة ليساعد في تقليل المشاعر السلبية، أكدت الأبحاث أن التمارين الرياضية الخفيفة مثل المشي تعطي نفس التأثيرات.
الإصابة باضطراب الشخصية الحدية لا يؤثر على المصاب فقط، ولكنه يؤثر على المحيطين به من أهل وأصدقاء أيضًا، ويعد التشخيص السليم والعلاج أول وأهم طرق المساعدة التي يمكن أن يقدمها الأصدقاء والأهل لمصاب اضطراب الشخصية الحدية، في حال كان شريكك يعاني من هذا الاضطراب أو إذا كنت يا عزيزي من أصحاب الشخصية الحدية يمكن أن ترتب موعدًا لتذهب إلى الطبيب، مع الحرص على تطبيق هذه الخطوات والاستمرار في العلاج، وإذا لم يؤدي هذا العلاج لتحسن أعراض الشخصية الحدية اطلب من الطبيب تحديثه.